السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بســم الله الــــرحـــمن الرحـــيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلَّ القرآن في عدة آيات أنَّ من ترك ما ينفعه مع الإمكان
ابتلى بالاشتغال بما يضـره ، وحُرم الأمرَ الأول وذلك أنه
ورد في عدة آيات: أن المشركيــن لما زهـدوا في عبــادة
الرحمن ابتلوا بعبادة الأوثان ،ولما استكبروا عن الانقياد
للرسل، بزعمهم : أنهم بشر، ابتلوا بالانـقياد لــكل مارج
العقــل والديــن ، ولما عــرض عليهم الإيمان أول مـــرة
فعرفوه، ثم تركوه، قلب الله قلوبهم، وطبع عليها وختم ،
فلا يــؤمنون حـتـى يروا العذاب الأليم . ولما بيـن لهـــم
الصراط المسـتقيم ، وزاغوا عنه اختـياراً ورضىً بطريق
الغي عـلى طريـق الهدى و الرشـد ، عـوقبوا بأن أزاغ الله
قلوبهم ، وجـعلهم حائرين في طريقهم . ولما أهانوا آيات
الله ورسله أهانـهم الله بالعذاب المهيــــن . ولما استكبروا
عن الانقياد للحــق أذلهم في الدنيا والآخرة .ولما منعـــوا
مساجد الله أن يـــذكر فيها اسمه، وأخربوها ما كان لــهم
بـعـــــد ذلك أن يدخلوها إلا خائفيـن .
( وَمِنْــهـُم مَّنْ عَـاهَدَ اللّهَ لَئِــنْ آتـَانَا مِــن فَضْلِـهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَلَمَّـــا آتَــــاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ
بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُــم مُّعْرِضُونَ ، فَأَعْقَبَهُــــمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ
إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَـــــا أَخْلَـــفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ
يَكْذِبُونَ) التـوبة ، والآيــــــات في هذا المعنى كثيرة جداً،
يخـبــر الله فيــها أن العــبد كان قبل ذلك بصدد أن يهتدي
الطــريق المستقــيم ثم تركها بعد أن عرفها،ونكص عنها
بــعد أن سلكهـــا عوقب بإبعاده في طريق الضلالة الـذي
ارتضـــاه لنفــسه وترك به طريــــق الـــهدى . فالاهتـداء
غيــر ممـكن فــي حقه ما دام سادراً فــي طــريق غوايته
ممعناً في سبــيــل ضلالتـــه . جزاء علــى فعله، كقولــه
فــي اليهود فــي ســورة البقـرة(نَبَــذَ فَرِيــقٌ مِّـنَ الَّذِيــنَ
أُوتُـــواْ الْكِتَـابَ كِتَــــــابَ اللّـهِ وَرَاء ظُهُــورِهِــمْ كَأَنَّهُــــمْ
لاَ يَعْلَمُونَ ، وَاتَّبَعُــواْ مَـــا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَـــــــى مُلْكِ
سُـــلَيْمَانَ ) فإنهـم لما تــركوا اتبـــاع كتــب الله المنــزلة
من عنده لهــداية العبـــاد، وإصــلاح شئونهم وإسعادهم،
ابتــلوا باتباع أرذلها وأخسئها وأضرها للعقول، وأفتكها
في إفســاد المجتمع،ولــما ترك المحاربون لله ورسولـه
إنفـاق أموالهــم في طاعة الرحمن، ابتـلاهم بإنفاقها في
طاعة الشيــطـــــان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب : القواعد الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن ناصر السعدي