ما هو
الفرق بين الحياة داخل أسوار السجن و خارجه ؟
بالطبع نحتاج إلى خبير
سجون أو خريج "حبوس" على رأي البعض
ليشرح لنا الفوارق..
لكن بغض النظر عما اقترفت
يد كل من يدخل بوابات السجون و دون الاستغراق في تفاصيل طهارة القلب و
الضمير و النية ،
يبقى الفارق الأساسي هو الخيار أي حرية
الاختيار
، اختيار الموعد الذي يصحى الإنسان أو يأوى إلى
فراشه ..
الموعد الذي يفطر أو يتناول غداءه أو طعام عشائه فيه
..
خيار من يقابل و من يمتنع عن رؤية وجهه ،
خيار الصحبة و الزمالة ،
خيار الحركة في أي اتجاه
شاء
صباح كل يوم بدلا من البرنامج الروتيني المحكم الذي
ينفذه تحت صفارة
و مراقبة عساكر السجن ،
خيار لون أو نوع أو شكل
القماش الذي يكسي به جلده ،
باختصار الفارق الأساسي هو
حق ممارسة حرية الحياة أو حق ممارسة الحياة بحرية انطلاقا
من أبجدياتها البسيطة إلى
ما لا نهاية ..
متطلبات الطبيعة الإنسانية وفقا لضوابط المسئولية ،
و في إطار هذا المفهوم
حتما سيزداد طابور السجناء بفضل الأعداد الهائلة لكل هؤلاء المساجين و لكن
بلا أسوار أو قضبان أو حراسة و دون ملابس موحدة بألوان مطفية تحمل أرقاما
متسلسلة ...
و ما دمت أتحدث عن السجن دعوني أتناول هذا المشهد
الذي أبدعه خيال الكاتب المسرحي " راتيجان " في مسرحيته الفرنسية " بلا
دموع "
و هو مقطع حديث طويل فيما بين قاض و متهم ..
القاضي :
ترى المحكمة أن المتهم الماثل أمامها مذنب تماما .. انهض يا هذا .
المتهم
ينهض بكبرياء واضحة لكل الحضور !!
القاضي : يا سيد
وفقا لأحكام القانون أطالبك بتسليم بنطلونك !!!
المتهم
يتحرك خارج قفص الاتهام ليرى الحضور و القاضي نوعية البنطلون الذي يرتديه .
القاضي : آه ...
أرى أنك جئت لقاعة المحكمة دون بنطلون ، حسنا ليس أمامي خيار سوى مطالبتك
بتسليم " ...... " و فورا !! انتهى المشهد !!
تعال ،
انظر حولك ، نحن نعيش خارج
السجن نعم ،
بعيدا عن أحكام قاضي راتيجان ، نعم لكننا بصورة عامة
في العالم الثالث التعس لا نخرج عن واحد من أربعة أنواع : -
الأول :
نوع ما زالت تطارده أحكام القضاة لتسلبه البنطلون الوحيد الذي يتشبث به
بكل ما أوتي من قوة حفاظا على ما تبقى من كرامة و إنسانية ..
الثاني :
نوع سلم البنطلون و بالقانون !!! سلم البنطلون و بسلام يحسد عليه !! و ظل
يفاخر سائر من يراه أو يسمعه بأنه على الأقل ما زال محافظا على " ...... "
!!
الثالث : نوع لا يملك أي بنطلون لأنه
منذ أن جاء إلى هذا العالم و رأس ماله " ....... " الداخلي الذي تطارده
أشباح القضاة لمصادرته و هو متمسك بكل ما أوتي من قوة خوفا على ما تبقى منه
لستر العورة !!
الرابع : نوع سلم و منذ
زمن بعيد البطلون و القميص و " ....... " معا و أخذ يتجول و سط الميادين و
الأزقة مفاخرا بأنه أخيرا أدرك معنى الحرية الحقيقية ..
و التي
ملخصها التحرر من جميع متاع الدنيا و الانعتاق من شتى المتطلبات الإنسانية
ليغدو كما كلب الطرقات في
قرية نائية من قرى عالمنا الثالث ..
كلب طرقات شريد لا يجد حتى
عربة بلدية ترمي عليه شبكة التحفظ و الحجر لتضعه داخل أسوار الحجز الإجباري
لينعم بشيء من طعم الحياة ...
و أخيرا لا تسألوني ما
المقصد و ما المقصود ...
من أي نوع أنت أو أنا أو
نحن ؟
وبما إننا عرب
فدعوني اقول ،،،،
" كلنا
ذاك العاري و لكن بلا دموع "