الملل قادم و خطة جديدة لابعاد

بعد
مرور شهرين على دخولي إلى السجن لم أعد أكذب بشأن مكاني و جودي لكن لا أحد
يصدقني عندما أقول الحقيقة. في المقابل اكتشفت أن بعض الاشخاص الذين كنت
أتواصل معهم كانوا يكذبون فيما يخص اسمهم و عمرهم و بلدهم و هناك من يكذب
في جنسه و خاصة الذكور، هناك من يدعي أنه فتاة. لم أفهم لماذا يقومون بهذا،
هل لانهم يكرهون هيأتهم الذكورية ؟؟.. أو أنهم شواذ لا يظهرون ذالك في
العالم الحقيقي، لهذا يقومون بإظهار حقيقتهم الداخلية في الانترنيت بما أن
لا أحد يستطيع رؤيتهم و انتقادهم.

أصبت
ببعض الاحباط مع أنني أعرف جيدا أن التواصل عبر الانترنيت لا يخلوا من
الكذب لكن هذا الاحباط ناتج عن معرفتي الحقيقة المطلقة بأنني كنت في عالم
وهمي فقط. و هكذا تجاهلت الامر و تابعت طريقي و استمررت في التواصل مع
أشخاص لا أعرف ما إذا كانوا حقيقيين أو مجرد شخصيات مختلقة من طرف أشخاص
متخلفين، لكنني كنت أتواصل معهم كأنهم أشخاص حقيقين نتيجة حاجتي الماسة
لهذا التواصل من أجل تفادي عقدة نفسية و أثار جانبية للوحدة و السجن. رغم
هذا فإن الحقيقة تبقى حقيقة إلى الابد مهما غيرنا من تفكيرنا و أحاسيسنا، و
قد أدى هذا إلى إحساسي بقليل من الملل من دخول تلك المواقع التواصلية و
كذالك بقائي دون ممارسة أنشطة أخرى غير الحلوس أمام الحاسوب.

بعد هاذين الشهرين لم تعد التجربة تجربة ملل فقط بل أبعد من ذالك ، صارت تجربة تواصلية أيضا. قررت فعل أشياء أخرى للبقاء مدة أطول دون
الاحساس بالملل و معرفة الفرق بين التواصل المباشر في العالم الحقيقي و
التواصل غبر المباشر في العالم الوهمي (الانترنيت). كنت قد طلبت آلات
رياضية وهي موجودة في زنزانتي لكنني لم أستعملها قط. فكرت في استعمالها و
المحافظة على وزني و تجنب السمنة...

وهكذا
صرت امارس الرياضة يوميا لمدة ثلاتة ساعات و باقي الوقت أمضيه في تصفح
الانترنيت، لكن رغم ذالك لم تمضي سوى أيام قليلة و قد رجع الملل بل صار
أكبر من البداية بسبب نقص في الانشطة، تذكرت بنود العقد و البند الذي يقول
أنه يجب تنفيد كل ما أطلبه بعد دخولي للسجن إلا الخروج منه حتى تنتهي المدة
المتفق عليها، ومع هذا البند رأيت أنني سأقضي على هذا الملل و متابعة
طريقي في تجربتي المجنونة، و أسرعت بإرسال رسالة عبر البريد الالكتروني
لتفادي التواصل المباشر معه، تحتوي الرسالة على مطالب جديدة و هي عبارة عن
روايات و كتب و قواميس بمختلف اللغات إضافة إلى حاسوب و تلفاز و هواتف
نقالة و بعض الاجهزة الالكترونية المعطلة و الادوات التي تستعمل لصيانتها و
تصليحها. كنت أعرف جيدا أن طلبي مبالغ فيه قليلا لكن مدير السجن التزم
بالعقد و لبى طلبي و لم يعترض رغم تكاليفه.

نظمت
وقتي و قمت بتغيير بعض عاداتي التي اعتبرها سيئة، أستيقظ الان باكرا و
أقوم بتمارين رياضية لمدة ساعتين، و بعدها أبدأ في اصلاح الاجهزة المعطلة
التي جلبها المدير، عدى أنني لم أكن أفقه في التصليح شيئا إلا أنني كنت
أتعلم من الانترنيت و أقوم بالتطبيق على تلك الاجهزة، و كنت أقوم بالتصليح
لمدة ثلاتة ساعات في اليوم. و أمر إلى تعلم اللغات ألاجنبية باستعمال
اقواميس و الانترنيت و هذا لمدة ثلاتة ساعات أيضا. أما بخصوص الروايات و
الكتب تركتها إلى ما قبل النوم و كنت أقوم بتحليل بعضها ما يجعلني أنام
متأخرا، لكن أستيقظ دائما في نفس الوقت و لم أنسى تصفح الانترنيت و التواصل
في الماقع الاجتماعية بل كنت أقوم بهذا بين الانشطة الاخرى، مثلا بعد
ممارستي للرياضة أتصفح الانترنيت لمدة ساعة على الاقل و بعدها أمر للنشاط
التالي . هناك تغييرا واحدا فقط لم أعد أتواصل مع أي كان بل الاشخاص الذين
أعرفهم فقط قبل دخولي للسجن و ألذين أعرفهم جيدا على حقيقتهم. نجح الامر و
استطعت القضاء على الملل و ما زلت مستمرا في انتظار النتائج...

راءع