موضوع: تهادواتحـابو الإثنين يوليو 26, 2010 1:17 am
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادواتحابوا) رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى بإسناد حسن ]. الأدبالمفرد هو للبخاري، وهو من أنفس الكتب في الآداب، يورد أحاديث بر الوالدينوحكم الجوار، والرفق بالضعيف، وأشياء كثيرة في الآداب والأخلاق، كما فعلمالك رحمه الله في الكتاب الجامع في آخر الموطأ، وهكذا بعض العلماء إذاانتهى من تأليفه في باب الفقه والأحكام -حلال وحرام- يأتي بمجموعة منالآداب والذكر، حتى في كتابنا هذا بلوغ المرام، في آخره يأتي باب الذكروالدعاء، ليرقق النفس ويهذبها، ويربط الإنسان بربه في دعائه وفي حاجته،وكذلك البخاري رحمه الله جعل هذا الكتاب في مكارم الأخلاق والآداب، الذيهو الأدب المفرد....... الهدية سبب في زرع المودة .................................................. ......................................... وفي هذاالحديث : (تهادوا تحابوا) الهدية من حيث هي سلاح المودة، ومراسيل التعاطفوالتقارب والتآلف، وأعتقد أن كلنا يعلم ما فعلت بلقيس مع نبينا سليمان:وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [النمل:35] جماعتها يقولون :نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِفَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ [النمل:33] فنحن مستعدون! قالت: لا، هذاالسلاح للمعركة، في وقت الشدة، ولكن الهدية سلاح الحرب الباردة، وسلاحالتعاطف والمودة -نجس النبض- وكانت الأمم قديماً في العادات والتقاليد،إذا أرادت أسرة أن تناسب أسرة أخرى وتخطب منها قبل ما تتقدم بالخطبةويعتذرون بالدراسة، لكنها أعذار جحا كما يقال، ويتعللون بعلل! كانوا قبلما يقدمون على ذلك ويرسلون المراسيل لخطبة الفتاة يرسلون أولاً بهديةإليهم، يقول الكاتب: ولو حزمة ثوم، فهي مجرد هدية، وهم يعلمون أنه ما فيهدايا فيما بينهم، فإن قبلوا هديتهم ولو على قلتها معناها تفضلوا أهلاًوسهلاً، فيتقدمون للخطبة، وإذا ردوها وقالوا : نحن عندنا ما نحتاج معناه:كونوا بعيداً لا تقتربوا. فكانت الهدية هي عنوان التقارب.
الهدية إلى الكافر وقبولها منه
الرسولصلى الله عليه وسلم لما أرسل الرسل بالكتب، وجاء حاطب إلى المقوقسبالإسكندرية رحب به وحصل معه محادثة لطيفة، من ضمن ما كلمه، قال : ألستتقول أن محمداً رسول الله وهو في عنايته وكذا وكذا ؟ قال : بلى، قال: كيفيكون حبيب الله ورسول الله ويتركه لأهل مكة يخرجونه هارباً ليلاً ؟ يعني:لماذا لم يحمه ولم يدافع عنه؟ قال له: أيها الملك! ألست تؤمن بالنصرانية؟قال: بلى، قال: ألست تقول بأن عيسى ابن الله؟ قال: بلى، قال: كيف أن أباهتركه لليهود يصلبونه ولم يدافع عنه؟ فقال: حكيم جاء من عند حكيم، وهذهالأجوبة المسكتة، والعامة يقولون: إذا أرسلت فأرسل حكيماً. فـالمقوقس أهدىإلى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين وحللٍ للبس، وخفاف، وشيئاً منالطيب، وبغلة، وقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا تجد الفقهاءيعتنون بمسألة: الإهداء إلى ومن الكافر: أتهدي إلى الكافر ؟ نعم، أتقبلهدية الكافر ؟ نعم. وقد جاء في الإهداء إلى الكافر : عمر رضي الله عنه لمارأى حلة تباع وأعجبته وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :اشترها لتلبسها للوفود، فنظر فيها وردها ثم قال : (إنما يلبس هذا من لاخلاق له) يعني : قماشها فيه شيء من الحرير، ثم بعد فترة أرسل رسول اللهإلى عمر حلة من نفس ذلك القماش، فجاء عمر يجري، فيقول: قلت يا رسول الله:(إنما يلبس هذا من لا خلاق له) وترسل لي بها! معناه: أنا لا خلاق لي، قال: لا يا عمر، أنت أخطأت في المقدمات، ليس معنى إرسالي إياها إليك لتلبسها،ولكن لتتملكها، وألبسها من شئت، فأرسل بها إلى أخيه بمكة وهو على دينقومه. وهكذا في بعض سفراته صلى الله عليه وسلم، نزل منزلاً وجاء أعرابييسوق غنماً، فقال له صلى الله عليه وسلم : هدية أم بيعاً ؟ قال : لا. بلبيع، فاشترى منه شاة، وسأل أصحابه من عنده طعام، وكذا وكذا، وصنعوا طعاماًوأكلوا جميعاً وبقي الباقي في القصعة. يهمنا قبول الهدية من المشركوالإهداء إليه ما لم يكن حربياً ؛ لعموم قوله سبحانه : لا يَنْهَاكُمْاللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْيُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواإِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] وخاصة إذاكان ذا رحم فلا مانع. فالهدية من قديم موجودة متداولة بين الملوك وبينالأشخاص العاديين، وهنا يبين لنا صلى الله عليه وسلم مهمة الهدية بينالناس، وإذا تأملنا جميع التشريعات في الإسلام كالعبادات والتبرعات نجد أنلكل عمل مهمة، مثل الفيتمينات، كل فيتمين له غرض خاص , كذلك هنا الصلاةتنهى عن الفحشاء، والزكاة تطهر وتزكي العبد والمال، والصيام يزيد منالتقوى، والحج فيه منافع لهم، وكل هذه العبادات فيها منافع للأمة، وكذلكالهدية. وعلمنا بأن قانون الحياة معاوضة، والهدية عوضها إما أن ينتظرمصانعةً، والرسول بين لنا فقال: (تهادوا تحابوا) فالهدية تورث المحبة؛وجبلت النفوس على حب من يحسن إليها، والهدية من الإحسان، وهذا جزء منحديث: (والله لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) ثم بين صلى الله عليه وسلمفقال: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم).والهدية -كما يقولون- تكون بمناسبة وبغير مناسبة، والعامة يقولون : الهديةعلى قدر مهديها، غترة تلبسها، زميلك في الدراسة سافر في العطلة، وعندماأتى أهدى لك غترة، أو مدير الجامعة سر بنشاطك، وأعجب باستقامتك ومثاليتكفي الطلاب، فقدم إليك غترة، فهل غترة زميلك التي جاء بها كغترة مديرالجامعة؟ هي هي! نفس القيمة والمقاس! لكن هذه حق مدير الجامعة! هذه واللهأنا ما اشتريتها، بل أهداها لي مدير الجامعة!! إذاً: على قدر مهديها ؛لأنه عندما تذكرك في غيبتك وفكر في أن يهدي إليك. إذاً: أنت حاضر فيخاطره، ما غبت عنه، ذكرك بالخير في الغيبة. إذاً: هذا يورث المحبة (تهادواتحابو).